The National - ترجمة بلدي نيوز
بعد ثلاثة أشهر من اندلاع شرارة الثورة السورية عام 2011، تغيرت سوريا إلى الأبد، ولا شك أن الكثير من السوريين يرغبون لو يستطيعون إعادة الوضع لما قبل الحرب، حتى يقوموا بالأشياء بشكل مختلف.
ولكن إعادة الوضع لما كان، لا يعني بالضرورة الرغبة بالحياة في ظل نظام الأسد، وبنفس الطريقة لا يمكن للعراقيين الذين يتوقون لاستقرار العراق ما قبل الحرب بأن يرغبوا بالعيش تحت ظل حكم صدام حسين مرة أخرى.
ويجدر بهذا التمييز أن يُؤخذ بعين الاعتبار في جولات محادثات السلام وأن يتم التعامل مع التطرف المتزايد بدايةً من البلدان المتورطة في الصراع السوري.
منذ بداية الصراع، جدد السوريين، في كل يوم جمعة، عهدهم بثورتهم وأرضهم من خلال دعم الجيش السوري الحر، وكان كل عام من الأعوام الخمس الماضية يحمل معنى جديد للثورة ويضيف إلى عناد الصراع السوري.
فقد تميز العام الأول من الثورة بشجاعة الرجال والنساء السوريين الذين ثاروا ضد الحكم الوحشي لعشيرة الأسد، هذه الشجاعة فاجأت الكثيرين داخل البلاد وخارجها، حتى أن شبكات إخبارية مثل الجزيرة والعربية المشغولتان بتغطية ثورات في بلدان عربية اخرى، لم تقوما بتقديم تغطية مماثلة للاحتجاجات في سورية إلا بعد ثلاثة اشهر من اندلاعها.
كما تطلب ذلك نفس الوقت بالنسبة للملكة العربية السعودية وبلدان أخرى لتقوم بإدانة الحملة الشرسة التي يشنها نظام الأسد ضد شعبه، واتخاذ التدابير الدبلوماسية ضده.
ففي السنوات التي سبقت الثورة، رسخ نظام الأسد من مكانته في السياسة الإقليمية وعمل على التقارب مع كل دول الخليج ولكن كل ذلك تغير بعد الثورة، حيث اتخذت هذه الدول موقفاً ضد الأسد.
أما العام الثاني من الثورة، فقد تميز بمستوى غير مسبوق من العنف وبتدخل الدول الإقليمية في الصراع، فقد دخلت إيران المعترك عسكرياً من خلال توفير الأسلحة والمشورة لنظام الأسد من خلال عملاءها الذين ادعوا أنهم "حجاج".
وفي هذا السياق نُفيت كل مزاعم الثوار بأن الإيرانيين يقاتلون الى جانب النظام واعتبرت كدعاية من قبل الكثيرين حتى وقت لاحق من ذلك العام.
أما مجازر جيش الأسد في ريف حماه وحمص وطرطوس فقد تجاوزت أي عنف صدر عن تنظيم الدولة الإسلامية، فالميليشيات الموالية للنظام كانت تقصف قرية معينة بكل أنواع الأسلحة طوال الليل، وفي الساعات الأولى للصباح تجتاح المنطقة لتذبح جميع من بقي على الحياة من رجال ونساء وأطفال، كل هذه المجازر كانت تحدث منذ أكثر من عام ونصف قبل تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية.
أما في السنة الثالثة من الثورة، فقد انزلقت البلاد إلى صراع طائفي، حيث وُثقت الكثير من الهجمات الانتقامية من قبل "الهيومن رايتس ووتش"، وفي الأشهر الأولى من 2013 أصبح الخطاب الطائفي أكثر رسوخاً في البلاد والمنطقة ككل _بمشاركة متزايدة من الميلشيات الشيعية من العراق ولبنان.
وفي النصف الثاني من ذلك العام، ازدادت حدة الخطابات الطائفية والتطرف بظهور تنظيم الدولة الإسلامية وبعد إنشاء "الجبهة الإسلامية"، حيث الاستقطاب والتنافس والتنافر أدى لأن تكون لهذه الجماعات أجندة إسلامية للمحافظة على نفوذهم من خلال الطائفية.
وقد فشل المجتمع الدولي بعقاب نظام الأسد على الاستخدام المتكرر للأسلحة الكيماوية على المدنيين _ على الرغم من كونه خطاً أحمر كما أشار اوباما مراراً، بالإضافة إلى المجازر التي قامت بها القوات الموالية للنظام في عام 2012، كل ذلك لعب دوراً أساسياً لاندفاع العديد للتخلي عن العالم الخارجي والانجراف نحو مزيد من الجماعات المتطرفة.
في السنة الرابعة، كانت سورية ممزقة بشكل عميق، ونحو 40 بالمائة من سكانها فروا خارج البلاد بسبب الصراع، وموجة اللاجئين هذه غيرت من النظرة الدولية للصراع من مأساة محلية إلى خطر دولي.
ومع استسلام السوريون والمجتمع الدولي للصراع المستمر، سيطر تنظيم الدولة على أجزاء كبيرة من البلاد، لأن معظم الخطاب والجهد السياسي كان مدفوعاً باتجاه إضعاف أعراض المشكلة وهو "تنظيم الدولة" بدل التعامل مع المشكلة الحقيقية والقضاء على المرض وهو "نظام الأسد"، وبالتالي فإن المشكلة لن تحل أبداً بعلاج أعراضها.
هذا العام، هناك المزيد من الشيء نفسه، محاولات يائسة لمحاربة تنظيم الدولة، البحث عن شركاء محليين من شأنهم إعطاء الاولوية لمكافحة التنظيم على محاربة نظام الأسد_ الذي يروع المدنيين السوريين بوحشيته، فيدمر منازلهم، ويعذب ويغتصب أسرهم، يجوعهم ويطردهم خارج البلاد.
حتى أن بعض الأطراف السياسية اقترحت العمل مع بشار الأسد كأفضل طريقة لإنقاذ سوريا من الإرهاب، وبالتالي إن كان العالم قد فقد أية مشاعر انسانية من القلب تجاه السوريين خلال السنوات الأربع الأولى، ففي عام 2015 يكون العالم قد خسر عقله أيضاً.